مالك بن نبي فيلسوف الحضارة المعاصر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
avatar
Admin
Admin
المساهمات : 33
تاريخ التسجيل : 28/04/2022
https://elhiwar.ahlamontada.com

كتاب عبد المالك حمروش في التربية Empty كتاب عبد المالك حمروش في التربية

السبت مايو 07, 2022 10:19 am
عنوان الكتاب:

التربية والشخصية الجزائرية العربية الإسلامية
بين عبقرية ثورة التحرير وضلال الثورة المضادة


بين عبقرية ثورة التحرير وضلال الثورة المضادة

1 المقدمة



مقدمة

أول ملاحظة ضرورية قبل أي حديث هي الإعلام بأن ما تقرؤونه هنا قد تم تحريره قبل أحداث 5 أكتوبر 1988م، والتي نعترف لها بفضل ضمان حرية التعبير إلى حدما ، ومعنى هذا أن الذهاب إلى أقصى حد في التحليل لم يكن دائما أمرا ممكنا ، فقد كنا نشعر بالحرج من ذكر بعض الحقائق صراحة وخاصة عند معالجة النصوص والوثائق الصادرة فيما عرف باسم برنامج طرابلس وما بعده ، فعندما ظهر مصطلح الاشتراكية ، لأول مرة ، في خطاب الثورة الجزائرية ، وأخد الشعور لدى المتمعن فيما كتب منذ ذلك الوقت بأن نسبة المحتوى الاجتماعي إلى الانتماء العربي الإسلامي صار يقحم اقتحاما ويقصد به تسويغ المنحى الماركسي اللينيني الواضح في النصوص ، بينما كان الأمر قبل طرابلس خلاف هذا فمنذ بيان أول نوفمبر التاريخي حرص خطاب الثورة على الدعوة إلى العدالة الاجتماعية ضمن التراث العربي الإسلامي للشعب الجزائري ولصدق هذه الصيغة في التعبير عن حقيقة المجتمع وأمال الشعب ، استطاعت أن تحدث الإجماع الذي قاد المسيرة إلى النصر الذي ارتفعت أعلامه خفاقة صباح الخامس من جويلية 1962 ، إثر حرب الإبادة التي شنها العدو الغاشم على شعبنا الأمن ، ولكن دون جدوى ، مادامت الثورة أصيلة ، تريد أن تعيد للأمة ما سلب منها من كرامة وانتماء إلى الهوية العربية الإسلامية فوق هذه الأرض المجاهدة ، وإذن فإن الاشتراكية التي تحدثنا عنها – ربما – بحماس في تحليل نصوص برنامج طرابلس وما بعده إنما قصدنا بها تلميحا أو صراحة العدالة الاجتماعية المستخلصة من تراثنا العربي الإسلامي ، كما عبر عن ذلك خطاب الثورة الجزائرية قبل برنامج طرابلس ، أما تجاوز هذا الإطار المرجعي الحضاري لشعبنا ، فإننا نعتبره انحرافا دخيلا على الثورة الجزائرية وغريبا عن الهوية العربية الإسلامية التي من أجلها رفع السلاح ، وبفضلها وقع الإجماع ، والانتصار.

الملاحظة الثانية ، هي أن تحليلات النصوص الأساسية للثورة سواء منها الصادرة أثناء الكفاح المسلح أو بعده ، تبقى مقبولة ، خاصة إذا استثنينا الجانب المتعلق بالاشتراكية ، فهذه المسألة اعتراها الغموض ، كما أسلفنا واختلفت بشأنها التأويلات ، ومهما يكن من أمر فإن وثائق الثورة الجزائرية تظل معبرة عن حقيقة المجتمع الجزائري ، وعن هويته العربية الإسلامية ، تعبيرا صادقا ولذلك فالتغييرات السياسية الواقعة بعد 5 أكتوبر 1988 م لا تقوى على تجاوز هذه النصوص المرجعية اللهم إلا إذا ظهرت حركات سياسية لا انتماء لها ، أو فضلت الانتماء إلى حقائق لا تمت بصلة إلى شعبها ، من قريب أو من بعيد ، وإذن فإنها تحكم على نفسها بالإعدام لحظة ميلادها ذاته ، وعليه فإن التحليلات المقدمة هنا ، تبقى صالحة ومفيدة ، على الأقل ، كمحاولة أولى على طريق معالجة التراث الثمين للثورة الجزائرية ، وللإنسانية جمعاء ، ما دامت هذه المساهمة لأصالتها وصدقها ذات بعد عالمي ، ذلك أحد الدروس المستفادة من الملحمة البطولية الجزائرية .المعاصرة

الملاحظة الثالثة، هي أن فلسفة التربية التي نستخلصها هنا من مبادئي أول نوفمبر التاريخية، ليست بالضرورة ذات ترجمة واقعية في مسيرة التربية والتعليم منذ الاستقلال إلى الآن فالإنجازات فعلا ضخمة، وذلك ما أمكن الاحتفاظ به من روح نوفمبر، أما المحتوى فليس في معظمه مطابقا لها - وهذه حقيقة لم نستطع التعبير عنها بوضوح ، دائما ، عندما تناولنا الجانب التطبيقي الميداني بسبب نقص حرية التعبير وقتها ، وإننا نأمل في إعطاء هذا الجانب ما يستحقه من العناية ، إن شاء الله في مناسبة أخرى ، وبصفة عامة فإن الأوراق قد اختلطت بعد الاستقلال ، وتولى التسيير ، في الغالب ، الناس يعادون الهوية الوطنية ، أو على الأقل لا يبالون بها ، ولا يشعرون بالانتماء المتعمد للمطابقة بين فلسفة التربية للثورة وتجسيدها الميداني في مجالات التربية والتعليم والتكوين وخلاصة ما نود الإلحاح عليه هنا هو أن التمجيد المستحق کلام متشعب في النوعية ليس هذا موضعه ، ولابأس أن تلمح ، منذ الآن إلى للمسار التربوي بعد الاستقلال ، ينصب خاصة على الجانب الكمي ، و يبيتون التخريب إليها ، فراحوا يخبطون خبط عشواء على غير هدى ، أو يبيتون التخريب المتعمد للمطابقة بين فلسفة التربية للثورة وتجسيدها الميداني في مجالات التربية والتعليم والتكوين وخلاصة ما نود الإلحاح عليه هنا هو أن التمجيد المستحق للمسار التربوي بعد الاستقلال ، ينصب خاصة على الجانب الكمي ، ويبقى كلام متشعب في النوعية ليس هذا موضعه ، ولا بأس أن نلمح ، منذ الآن إلى ان السياسة ، بحكم تركيبتها البشرية ظلت ، في مجملها ، وفية للثورة وللهوية ، أما الإدارة ، فلم تكن كذلك ، بحكم تركيبتها البشرية أيضا وهذا ما يفسر التناقضات بين النظرية وتطبيقاتها الميدانية ، وما نتج عنها من ممارسات وانعكاسات مأساوية على حياة الناس في جزائر الاستقلال حيث شهدت الجوانب المادية من الحياة الاجتماعية عامة تطورات هائلة ، بينما تعرض الجانب الروحي لنكسة ، أصابت التضامن الاجتماعي في الصميم وعرقلت تفتح الشخصية الإنسانية مما جعل العلاقات بين الافراد والجماعات جحيما حقيقيا ، وهذا معناه الإلغاء شبه التام للنعم المادية التي وفرتها الثورة لأبنائها وعكس مفعولها ، ولا يقوم بهذه الفعلة الشنيعة حسب منطق الأشياء ، سوى الثورة المضادة

الملاحظة الرابعة : هي أن فلسفة التربية للثورة الجزائرية ، مستخلصة من مبادئها ، ونصوصها ، مكسب لا يضاهيه مكسب آخر في منجزات الإنسان الجزائري المعاصر ونكاد نقول إنه مسألة وجود ، فاذا أمكن تجسيد هذا الأمر ميدانيا ، نتج عنه بالضرورة ، تجاوز عتبة التخلف ، وبلوغ أسباب الإبداع والمنعة والعزة ، وإلا لا قدر الله ، وقع العكس ، والعياذ بالله وستبين لنا تحليلات النصوص فيما بعد ، حقيقة ما نقول ، بما لا يدع مجالا للشك ، لقد عرفت الثورة الجزائرية المجيدة أسباب الضعف كل المعرفة ، وعثرت على السر التربوي الكفيل بتغيير سلوك الإنسان تغييرا جذريا ، فحولت الخماس الغارق في أوحال المهانة إلى بطل قهر الاستراتيجيات العسكرية وأساليب الحرب النفسية الفتاكة لكبار المتخصصين في هذه الفنون المعاصرة ، وهو أمر لم يحدث مصادفة ، وإنما كان من ثمار عمل مضن دؤوب لا يتوقف ينتزع الأشخاص من واقعهم المزرى ، ويتعهدهم بالتدريب الروحي المتواصل ، تطهيرا لإنسانيتهم . شيئا فشيئا ، وبشكل مكثف وسريع من رواسب الظلم والعبودية والاستكانة ، ويرجعهم ، بالتالي ، إلى بشريتهم الفطرية الصافية وإلى عقيدتهم الإسلامية البريئة من شوائب الوثنية والخرافات ، والانحرافات ، وهكذا يبدأ نمو الشعور بالحرية وتأخذ شخصية الكائن البشري منحى التفتح السريع بشكل مذهل ، ويصل الإحساس بالقوة مرتبة لا تتعايش؟. مع عوامل الخوف والذل ، ومركبات النقص المتشابكة ، والمتنوعة ، ومنها خاصة الثقافية والحضارية ، فمثل هذا الشخص العملاق الذي تعهدته يد الثورة الأصيلة بالتربية ، يتمتع بقناعة الانتماء إلى أرقى حضارة في تاريخ الأدميين ، تلكم هي الحضارة العربية الإسلامية العظيمة ، فهو ، إذن أقوى الناس المنتمي إلى أقوى المدنيات ، وهو المجاهد الذي تنتظره السعادة في الدارين ، فيحيا عزيزا ، أو يتوفاه الله شهيدا فالمستقبل رائع دوما في الدنيا والآخرة ، واذن فهو الامن المطلق الذي يوفر شروط الاندفاع إلى أقصى مدى ، وذلك ما كان ، ومن ثم امكن انتزاع انتصار ، بدا للعالمين مستحيلا ، فكيف يمكن حقا تصور فوز خماس في مبارزة مع جنرال من دولة عظمى ؟

فماذا لو سمحت الظروف بتطبيق هذا الأسلوب العبقري في التربية على أجيال الاستقلال ؟ سؤال من بين أسئلة جوهرية كثيرة ، ربما وجدت جوابها في تناول نظامنا التربوي بالدراسة والتحليل ولعل الفرصة تواتي يوما لتحليل قضية التربية والتعليم في المرحلة التي تفصلنا عن فجر الاستقلال ، بما لها وما عليها ، وغاية ما نقدمه هنا منها ، إنما هو ذلك القدر الذي يكفي لتوضيح الصلة بالفلسفة التربوية النابعة من مبادئي أول نوفمبر المجيدة ، لما لهذا الأمر من علاقة وثيقة بموضوعنا، ولما له من أهمية استراتيجية فريدة ، إذ أنه في الحقيقة يمثل مقدار نجاح الثورة ، ودرجة بلوغها الأهداف التي وضعتها لنفسها صباح غرة نوفمبر ، أو بعبارة أخرى محاولة معرفة مدى الاستقلال الحاصل بالفعل والحد الذي أمكن وصوله من السيادة الحقيقية المنشودة ، والمتمثلة في إعادة تجسيد الهوية الوطنية للمجتمع الجزائري على أرض الواقع ، بإزالة العدوان واقتلاعه من جذوره، والسير في الاتجاه الذي يضمن دخول هذه الهوية المسترجعة حياة العصر بكل ابعادها بحثا عن تدعيم الوجود الحر ، والعيش الكريم والازدهار المنشود ، ومساهمة في الإبداع الإنساني الشريف جنبا إلى جنب مع الأمم الرائدة في زمان الناس هذا وإلا فإن كل إنجاز لا ينتظر منه الكثير، ولا يمكن أن ينتسب بجدارة إلى روح نوفمبر العظيم .

إن فلسفة الثورة الجزائرية ، ومنها فلسفة التربية المعبر عنها في المواثيق والنصوص الأساسية قدر سمت الطريق المؤدي إلى الانعتاق الكامل بكل وضوح ، وأجابت عن جميع التساؤلات التي يمكن أن تخطر على البال وتكفى القراءة المتمعنة لها لرسم الخط الواجب اتباعه قصد إدراك التنمية الفعالة بصياغة الفرد الجديد في المجتمع المتجدد المتمكن من أسرار التطور المتواصل والديناميكية الناسخة لوضعيات الجمود والركود ، إن هذه الدرجة من الوعى الرفيع لأسباب التخلف والانحطاط والضعف ، هي التي سمحت بالانتصار على أبغض استعمار عرفه التاريخ على الإطلاق ، ولو قدر لهذا الوعى أن يستمر فاعلا في الفترة الموالية لرحيل جحافل الجيوش المحتلة بلا رجعة ، لكنا الآن في طور متقدم من الرقي الشامل . لسنا هنا بصدد البحث عن أسباب هذه القطيعة المؤسفة، فذلك حديث آخر، وإنما قصدنا هو الوقوف على بعض من الجوائب التربوية لفلسفة الثورة الجزائرية المباركة لعلنا نستطيع نقل صورة واضحة منها إلى الأجيال الشابة، وإلى كل المواطنين الشرفاء وإلى كل أحباء الحق والعدل والإنسانية في العالم قاطبة

والله ولي التوفيق
المؤلف عبد المالك حمروش
الجزائر في 11 جمادى الأولى 1411 هـ
الموافق لـ 27 نوفمبر


الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى