مالك بن نبي فيلسوف الحضارة المعاصر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
avatar
Admin
Admin
المساهمات : 33
تاريخ التسجيل : 28/04/2022
https://elhiwar.ahlamontada.com

كتاب عبد المالك حمروش في التربية      _______________     2  التمهيد Empty كتاب عبد المالك حمروش في التربية _______________ 2 التمهيد

السبت مايو 07, 2022 11:51 am
كتاب عبد المالك حمروش في التربية
التربية والشخصية الجزائرية العربية الإسلامية
بين عبقرية ثورة التحرير وضلال الثورة المضادة

2 تمهيد

يتمثل جوهر التربية بمعناها الواسع ، في ديناميكية استيعاب الثابت للمتغير وابداعه له ، الأمر الذي يكسب القيم خصوبة ، والفرد ومجتمعه فعالية تجعلهما ، يتبوأن مكان الريادة في صياغة التكيف البشري الإيجابي مع الطبيعة ، فتقوى قدرة الانسان ، بذلك على التحكم في ظواهر الكون ، وتنمو إنسانيته ذاتها ، إلى أن يبلغ مرتبة ارادة الخير لجميع افراد نوعه ، وحينئذ يكون جديرا بالخلافة التي أوكلها الخالق اليه على الأرض التربية عملية ابداعية استراتيجية ، يصطنعها المجتمع لصهر الأفراد في بوتقة مبادئه ، وصياغتهم وفقا لمعايير قيمه وأهدافه ، وتنمية عقولهم واجسامهم وأذواقهم بالتفتح الواعي على الميراث الإنساني العلمي والتقني والحضاري الأصيل ، حتى إذا ما بلغ هذا الجهد الاجتماعي مرتبة ميلاد الثروة البشرية ارتدت نتائجه على المجتمع ذاته فأعادت صياغته على نحو يجسد فيه الحضارة والازدهار ، بالغا عندئذ مرحلة الإبداع والاكتشاف التي هي في جوهرها فعل تغيير داخل دائرة الثبات أو إن شئنا قلنا هي اعادة تأليف الثوابت بطريقة مبتكرة ، تضعها في سياق شروط انبثاق عبقرية الأمة إذ لا سبيل فيما يبدو من عبر الماضي ، إلى بلوغ الريادة والعالمية إلا من خلال بعث مبتكر للذات في ثوب جديد ، منسوج بأصابع وطنية محلية ، ومتفوق على غيره من الطرائق الفعالة ، لتفتحه عليها ، واستيعابه وتجاوزه لها ، فاذا عدنا من هذه التحديدات إلى وثائق الثورة الجزائرية ، وجدنا فيها ملامح واضحة متنامية تترجم عن بعد نظر واع منذ الانطلاقة بالعلاقات الجدلية الصميمة بين الثابت والمتغير ، وضرورة وضعها في حركية من شأنها صياغة الفرد والمجتمع صياغة أصيلة معاصرة ومما تجدر الإشارة إليه منذ البداية أن النصوص الأساسية للثورة لا تحتوى بطبيعة الحال على نظريات تربوية ، وما كان ينبغي لها أن تشتمل على أمر مماثل ، إذ أن الوثائق ذات الطابع الإيديولوجي تقف دائما عند الطابع الفلسفي ، المحدد للمبادئ والأصول والغايات ، وقد تقف عند الأساليب إذا  اقتضى الأمر ذلك ، وإذا كانت العملية التربوية في صيغها  التقنية تعنى بفنيات التوصيل والتدريب استنادا إلى العلوم والفنون المتصلة بهذا الشأن ، فإن المضمون ، والمبادئ والأهداف أمور تنتمى إلى مستويات أخرى من التفكير  خاصة المشروع الحضاري للأمة وما يترتب عليه من فلسفة اجتماعية ، وما ينتج عن هذه من فلسفة تربوية ، هي المعنية بصياغة المبادئ ورسم الغابات هي المطبقة في الميدان  وبطبيعة الحال ، فإن الجانب التربوي من النصوص الأساسية للثورة الجزائرية ، يندرج ضمن هذه المستويات الفكرية الثلاث ، هذه النصوص التي عبرت منذ الميلاد عن عبقرية خاصة ، ورؤية ثاقبة سديدة حتى ان المتمعن لبيان أول نوفمبر التاريخي ، ولا سيما في ضوء تجسيده الميداني ، لا يتردد في الشعور أنه إزاء إحدى اللحظات الفريدة في تيار الزمان المتواصل لحظة نشأة حضارة ما وإن كان البيان الخالد أدق من هذا وأعمق تعبيرا ، عندما أشار إشارة ضمنية تتضح لدى الخطوة الأولى من التحليل إلى أن الأمر يتعلق ببعث حضارة لا بإنشائها ، بما يستلزمه ذلك العمل الهائل من تشبث بالمبادئ وركوب أمواج العصر دون عقدة ولا تهيب مما يمكن الثوابت من استرداد القدرة على استيعاب المتغيرات ، تلك القدرة الإبداعية التي عطلتها عهود الجمود والطغيان ، وحينئذ ذلك الجدل العقيم الذي ما انفك يعبث بالعقول والمشاعر منذ ما يقرب من القرنين ، ولازال مستمرا بحدة وضياع إلى يوم الناس هذا ، في الساحة العربية الإسلامية ويتعين الاعتراف ، منذ الوهلة الأولى بقصور هذه العجالة عن رصد المراحل والتطورات مما هي جديرة به من الدراسة والتحليل ، لأسباب كثيرة ، لعل أهمها ضخامة الرصيد فكل ما نبتغيه ها هنا هو محاولة رسم الخطوط الكبرى والعلامات البارزة على درب النور الذي هانت في سبيله الأرواح ، وعبده شرفاء الوطن الأبرار بسيل جارف من دمائهم الزكية.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى